فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث سفينة- بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه- رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُغَسِّلُهُ الصَّاع من المَاء من الْجَنَابَة ويوضئه الْمَدّ» وَفِي لفظ: «يغْتَسل بالصاع ويتطهر بِالْمدِّ» أَو قَالَ: «يطهره الْمَدّ».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، بل لم يخرج البُخَارِيّ فِي كِتَابه عَن سفينة شَيْئا كَمَا نبه عَلَيْهِ عبد الْحق فِي جامعه.
ثَانِيهَا: من حَدِيث أنس رَضي اللهُ عَنهُ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمدِّ ويغتسل بالصاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد».
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَفِي رِوَايَة لَهما «كَانَ يغْتَسل بِخمْس مكاكيك وَيتَوَضَّأ بمكوك» وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ بدل «مكاكيك»: «مكاكي». قَالَ ابْن خُزَيْمَة: المكوك هُوَ الْمَدّ نَفسه. وَسَبقه إِلَى ذَلِك أَبُو خَيْثَمَة وَوَقع فِي جَامع المسانيد لِابْنِ الْجَوْزِيّ أَن المكوك مكيال لَهُ مَعْرُوف، وَأَنه لَيْسَ بالمعلوم الْقدر عندنَا. وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ؛ فقد قَالَ هُوَ نَفسه فِي كِتَابه غَرِيب الحَدِيث- وَمن خطه نقلت- قَوْله: كَانَ يغْتَسل بِخَمْسَة مكاكيك لَا زلت أستهول هَذَا؛ لِأَن المكوك الْمَعْرُوف صَاع وَنصف، وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يغْتَسل بالصاع الْوَاحِد، إِلَى أَن رَأَيْت الْأَزْهَرِي قد حَكَى عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: المكوك طاس يشرب بِهِ. فَزَالَ الْإِشْكَال قَالَ: وَقَالَ غَيره: المكوك إِنَاء يسع نَحْو الْمَدّ مَعْرُوف عِنْدهم.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد «كَانَ يتَوَضَّأ بِإِنَاء يسع رطلين ويغتسل بالصاع». وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «يَكْفِي أحدكُم مد فِي الْوضُوء».
ثَالِثهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يغْتَسل بالصاع وَيتَوَضَّأ بِالْمدِّ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْمُهَذّب: حَدِيث حسن وَرِجَاله كلهم ثِقَات، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «أَنَّهَا لما سُئِلت عَن غسله من الْجَنَابَة دعت بِإِنَاء قدر الصَّاع فأفرغته عَلَى رَأسهَا».
رَابِعهَا: من حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن السكن، وَصَححهُ ابْن الْقطَّان عَلَى رَأْي عبد الْحق، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «يُجزئ من الْوضُوء الْمَدّ، وَمن الْجَنَابَة الصَّاع».
وَفِي البُخَارِيّ عَن جَابر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَكْفِيهِ الصَّاع فِي الْغسْل» ذكره بِقِصَّتِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَأَبُو أَحْمد من حَدِيث ابْن عمر، وَفِيهِمَا ضعف، وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد- وَهُوَ صَدُوق سَاءَ حفظه- عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل بن أبي طَالب- وَفِيه لين- عَن أَبِيه، عَن جده- رَفعه-: «يُجزئ من الْوضُوء مد وَمن الْغسْل صَاع. فَقَالَ رجل: لَا يكفينا. فَقَالَ: كَانَ يَكْفِي من هُوَ خير مِنْك وَأكْثر شعرًا» يَعْنِي: النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَفِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير وتَارِيخ الْعقيلِيّ نَحوه وَضَعفه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة «كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من إِنَاء وَاحِد من قدح يُقَال لَهُ: الْفرق». هَذَا لفظ البُخَارِيّ وَلَفظ مُسلم: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل فِي الْقدح وَهُوَ الْفرق، وَكنت أَغْتَسِل أَنا وَهُوَ فِي الْإِنَاء الْوَاحِد. قَالَ سُفْيَان: وَالْفرق ثَلَاثَة آصَع» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يغْتَسل فِي إِنَاء- هُوَ الْفرق- من الْجَنَابَة» وَيجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث بِأَنَّهَا كَانَت أحوالاً لَهُ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وحد فِيهَا أَكثر مَا اسْتَعْملهُ وَأقله، وَهُوَ دَال عَلَى أَنه لَا حد فِي قدر مَاء الطَّهَارَة يجب اسْتِيفَاؤهُ، وَهُوَ مَا جمع بِهِ إمامنا الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء.
فَائِدَة: لَا خلاف عِنْد أهل الْحجاز- والمرجع إِلَيْهِم- أَن الْمَدّ رَطْل وَثلث، وَأَن الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، وَأَن الْمَدّ ربع الصَّاع، وَخَالف الْعِرَاقِيُّونَ فَجعلُوا الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَالْمدّ رطلين، وَاحْتَجُّوا لذَلِك بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يتَوَضَّأ برطلين، ويغتسل بالصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يتَوَضَّأ بِمد- رطلين- ويغتسل بالصاع- ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَعَن عَائِشَة قَالَت: «جرت السّنة من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي الْغسْل من الْجَنَابَة صَاع، وَالْوُضُوء رطلين، والصاع ثَمَانِيَة أَرْطَال» وَأجَاب الْحفاظ بضعفها، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. ثمَّ أوضحه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا: لَا يصحان. ثمَّ بَين ذَلِك، لَكِن فِي سنَن النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ قَالَ: «أُتِي مُجَاهِد بقدح حزرته ثَمَانِيَة أَرْطَال، فَقَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ يغْتَسل بِمثل هَذَا» وَأوردهُ ابْن حزم بِلَفْظ «يسع ثَمَانِيَة أَرْطَال، تِسْعَة أَرْطَال، عشرَة» ثمَّ رده بِهَذَا الشَّك، وَرَوَى ابْن حزم عَن أنس- رَفعه-: «يُجزئ فِي الْوضُوء رطلان» ثمَّ قَالَ: لَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَن فِيهِ شريك بن عبد الله القَاضِي، وَهُوَ مَعْرُوف بتدليس الْمُنْكَرَات عَن الثِّقَات، وَقد أسقط حَدِيثه الإمامان يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَابْن الْمُبَارك، وتالله لَا أَفْلح من شهد عَلَيْهِ بالجرحة. انْتَهَى.
حَدِيث أنس هَذَا عزاهُ ابْن عَسَاكِر والضياء الْمَقْدِسِي والْمزي إِلَى التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَإِن لم أره فِي جامعه وَشريك هَذَا قد رَوَى النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَنهُ، وَقد رَوَى عَنهُ يَحْيَى الْقطَّان أَيْضا. وَمن الْأَقَاوِيل العجيبة فِي الْمَدّ أَنه الصَّاع. حَكَاهُ صَاحب مجمع الغرائب حَيْثُ قَالَ: الْمَدّ ربع وَيُقَال: هُوَ الصَّاع.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «سَيَأْتِي أَقوام يستقلون هَذَا؛ فَمن رغب فِي سنتي وَتمسك بهَا بعث معي فِي حَظِيرَة الْقُدس».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب لَا أعلم من خرجه من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمدَة وَلَا غَيرهَا ورأيته فِي كتاب الِانْتِصَار لأَصْحَاب الحَدِيث لِلْحَافِظِ أبي المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السَّمْعَانِيّ فِي أثْنَاء الْجُزْء الثَّانِي مِنْهُ من حَدِيث عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، عَن مُحَمَّد بن زَاذَان عَن أم سعد- رفعته-: «الْوضُوء وَالْغسْل صَاع، وَسَيَأْتِي أَقوام من بعدِي يستقلون ذَلِك، أُولَئِكَ خلاف أهل سنتي، والآخذ بِسنتي معي فِي حَظِيرَة الْقُدس» وَهُوَ فِي بعض الْأَجْزَاء الحديثية بِلَفْظ: «الْوضُوء مد وَالْغسْل صَاع» وَفِي آخِره: «فِي حَظِيرَة الْقُدس، وَهُوَ مصير أهل الْجنَّة» وعنبسة هَذَا مُتَّهم مَتْرُوك، وَمُحَمّد قَالَ البُخَارِيّ: لَا يكْتب حَدِيثه. ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل «أَنه سمع ابْنه يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْقصر الْأَبْيَض عَن يَمِين الْجنَّة إِذْ دَخَلتهَا. فَقَالَ: يَا بني، سل الله الْجنَّة وتعوذ بِهِ من النَّار؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: إِنَّه سَيكون فِي هَذِه الْأمة قوم يعتدون فِي الطّهُور وَالدُّعَاء» قَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: مَحْفُوظ من طريقيه.
وَجَاء فِي كَرَاهَة الْإِسْرَاف فِي الْوضُوء أَحَادِيث صَحِيحه:
إِحْدَاهَا: عَن أبي بن كَعْب رَضي اللهُ عَنهُ أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِن للْوُضُوء شَيْطَانا يُقَال لَهُ الولهان فَاتَّقُوا وسواس المَاء» رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: فِي إِسْنَاده خَارِجَة بن مُصعب وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أَصْحَابنَا، وَضَعفه ابْن الْمُبَارك، وَهُوَ حَدِيث غَرِيب، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث؛ لأَنا لَا نعلم أحدا أسْندهُ غير خَارِجَة. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الْحسن من غير وَجه قَوْله، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شَيْء.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث مَعْلُول بِرِوَايَة الثَّوْريّ عَن، بَيَان، عَن الْحسن، بعضه من قَوْله غير مَرْفُوع، وَبَاقِيه عَن يُونُس بن عبيد من قَوْله غير مَرْفُوع، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أبي: كَذَا رَوَاهُ خَارِجَة، وَأَخْطَأ فِيهِ وَإِنَّمَا يرْوَى عَن الْحسن قَوْله، وَعَن الْحسن، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسل قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُنكر. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي علله وَضَعفه، وَخَالف ابْن خُزَيْمَة فَأوردهُ فِي صَحِيحه من جِهَة خَارِجَة، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ، فكلهم ضعف خَارِجَة، وَنسبه إِلَى الْكَذِب يَحْيَى، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَلَا أعلم فِيهِ أحسن من قَول ابْن عدي: إِنَّه يكْتب حَدِيثه.
الحديث الثَّانِي:
عَن عبد الله بن عَمْرو: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِسَعْد وَهُوَ يتَوَضَّأ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرف؟ قَالَ: أَفِي الْوضُوء إِسْرَاف؟! قَالَ: نعم؛ وَإِن كنت عَلَى نهر جَار».
رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده: ابْن لَهِيعَة، وحالته مَعْلُومَة سلفت لَك فِيمَا مر.
الحديث الثَّالِث:
عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «رَأَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رجلا يتَوَضَّأ، فَقَالَ: لَا تسرف» رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن الْفضل بن عَطِيَّة وَهُوَ مَتْرُوك، وَرَوَاهُ ابْن عدي من جِهَة مُحَمَّد هَذَا، عَن أَبِيه، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه كَانَ يتَعَوَّذ بِاللَّه من وَسْوَسَة الْوضُوء» فَخَالف فِي هَذِه الرِّوَايَة فِي الْإِسْنَاد وَاللَّفْظ.

.الحَدِيث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام تَوَضَّأ بِنصْف مد».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة أبي أُمَامَة رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي إِسْنَاده الصَّلْت بن دِينَار، وَهُوَ مَتْرُوك.
وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «بقسط من مَاء».
فِي رِوَايَة لَهُ: «بِأَقَلّ من مد».

.الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِثلث مد».
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم من خرجه مَعَ شدَّة الْبَحْث عَنهُ من كتب السّنَن وَالْمَسَانِيد وَالْأَحْكَام، وَلَعَلَّه كَانَ «بِثُلثي مد» فأسقط الْكَاتِب الْيَاء، فَإِنَّهُ كَذَلِك مَشْهُور فِي كتب الحَدِيث، رَوَاهُ كَذَلِك أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أم عمَارَة نسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِإِنَاء فِيهِ مَاء قدر ثُلثي الْمَدّ».
وَرَوَاهُ أَيْضا الْأَئِمَّة: ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة عبد الله بن زيد رَضي اللهُ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بِنَحْوِ من ثُلثي الْمَدّ» هَذَا لفظ الْبَيْهَقِيّ، وَلَفظ البَاقِينَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أُتِي بِثُلثي مد مَاء فَتَوَضَّأ، فَجعل يدلك ذِرَاعَيْهِ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح عِنْدِي حَدِيث أم عمَارَة- يَعْنِي: الأول.
آخر الْجُزْء الثَّالِث عشر يتلوه فِي الرَّابِع عشر بَاب التَّيَمُّم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
{رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا}.

.باب التَّيَمُّم:

ذكر فِيهِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فثمانية عشر حَدِيثا:

.الحَدِيث الأول:

«أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: الصَّلَاة لأوّل وَقتهَا».
هَذَا الحَدِيث أَصله فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث شُعْبَة عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «قلت: يَا نَبِي الله، أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله- تَعَالَى؟ قَالَ: الصَّلَاة عَلَى وَقتهَا. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: بر الْوَالِدين. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله. قَالَ: حَدَّثَني بِهن وَلَو استزدته لزادني». وَفِي لفظ: «أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا» وَفِي لفظ: «يَا نَبِي الله، أَي الْأَعْمَال أقرب إِلَى الْجنَّة؟ قَالَ: الصَّلَاة عَلَى مواقيتها...» الحَدِيث.
وَرَوَاهُ بِلَفْظ المُصَنّف من هَذَا الْوَجْه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وعُلُوم الحَدِيث، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وخلافياته وَغَيرهمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة الَّتِي لَا مطْعن لأحد فِيهَا، قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان: تفرد بِهَذِهِ اللَّفْظَة عُثْمَان بن عمر يَعْنِي رَاوِيه عَن مَالك بن مغول، عَن الْوَلِيد.
قلت: قد أخرجهَا الْحَاكِم من طَرِيق عَلّي بن حَفْص الْمَدَائِنِي، عَن شُعْبَة، عَن أبي الْعيزَار، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن أبي مَسْعُود كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: وَرِوَايَة عُثْمَان بن عمر، عَن مَالك بن مغول، عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار مَقْبُولَة، فقد اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ، وَهُوَ مِمَّن لَا يشك حَدَّثَني فِي ثقته. قَالَ: وَقد تَابعه عَلّي بن حَفْص، عَن شُعْبَة فَذكره وَلَفظه: «الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَفِي آخر: «الصَّلَاة أول وَقتهَا» ثمَّ قَالَ: رُوَاة هَذَا الحَدِيث كلهم ثِقَات؛ فَإِن حجاج بن الشَّاعِر حَافظ ثِقَة. وَاحْتج مُسلم بعلي بن حَفْص، وَالْبَاقُونَ مُتَّفق عَلَى ثقتهم، قَالَ: وَرَوَاهُ غنْدر، عَن شُعْبَة، عَن عبيد الْمكتب، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يحدث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مثله، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود بِلَا شكّ فِيهِ، ثمَّ سَاقه بِلَفْظ: «الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَفِي لفظ: «أَي الْعَمَل أفضل؟» قَالَ شُعْبَة: أَو قَالَ: «أفضل الْعَمَل الصَّلَاة عَلَى وَقتهَا».
قَالَ: وَرَوَاهُ عَن عُثْمَان بن عمر الْحسن بن مكرم الْبَزَّار، وَتَابعه مُحَمَّد بن بشار فِي هَذِه اللَّفْظَة، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم؛ لِأَن رُوَاته مُتَّفق عَلَى عدالتهم، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة عِنْدهمَا وَعند الْفُقَهَاء إِذا انْضَمَّ إِلَى رِوَايَته مَا يؤكدها وَإِن كَانَ الَّذِي لم يَأْتِ بِهِ أَكثر عددا.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث: هَذ حَدِيث صَحِيح مَحْفُوظ، رَوَاهُ جمَاعَة من أَئِمَّة الْمُسلمين عَن مَالك بن مغول، وَكَذَلِكَ عَن عُثْمَان بن عمر وَلم يذكر أول الْوَقْت فِيهِ غير بنْدَار مُحَمَّد بن بشار وَالْحسن بن مكرم، وهما ثقتان.
قلت: قد ذكره غَيرهمَا كَمَا مَضَى وكَمَا ستعلمه من كَلَامه، وَقَالَ فِي «الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث»: هَذِه الزِّيَادَة ذكرهَا عُثْمَان بن عمر، عَن مَالك بن مغول، وَهِي مَقْبُولَة مِنْهُ، وَإِن لم يخرجَاهُ- يَعْنِي: البُخَارِيّ وَمُسلمًا- فَإِن مَذْهَبهمَا أَن الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَقَالَ فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث يعرف بِهَذَا اللَّفْظ بِمُحَمد بن بشار بنْدَار عَن عُثْمَان بن عمر، وَبُنْدَار من الْحفاظ المتقنين الْأَثْبَات. ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ عَنْهُمَا ثمَّ قَالَ: فقد صحت هَذِه اللَّفْظَة بِاتِّفَاق الثقتين بنْدَار وَالْحسن بن مكرم عَلَى روايتهما عَن عُثْمَان بن عمر، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
قَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث شَوَاهِد مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحجَّاج بن الشَّاعِر. ثمَّ سَاقه عَنهُ ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن شُعْبَة وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة غير حجاج. وحجاج حَافظ ثِقَة، وَقد احْتج مُسلم بعلي بن حَفْص الْمَدَائِنِي. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ... الحَدِيث، وَهَذَا الرجل هُوَ عبد الله بن مَسْعُود لإِجْمَاع الروَاة فِيهِ عَلَى أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «خير الْأَعْمَال الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» ثمَّ قَالَ: يَعْقُوب هَذَا شيخ من أهل الْمَدِينَة، سكن بَغْدَاد، وَلَيْسَ من شَرط هَذَا الْكتاب، إِلَّا أَن لَهُ شَاهدا عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُئِلَ: أَي الْعَمَل أفضل؟ قَالَ: الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن الْقَاسِم بن غَنَّام، عَن جدته أم أَبِيه الدُّنْيَا، عَن جدته أم فَرْوَة- وَكَانَت مِمَّن بَايَعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَمن الْمُهَاجِرَات الأول- «أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَسُئِلَ عَن أفضل الْأَعْمَال فَقَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا».
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد ومعتمر بن سُلَيْمَان وقزعة بن سُوَيْد وَمُحَمّد بن بشر الْعَبْدي، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم بن غَنَّام. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: قد رَوَى عبد الله بن عمر عَن الْقَاسِم بن غَنَّام وَلم يرو عَنهُ أَخُوهُ عبيد الله بن عمر.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر. قَالَ ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه: وَرَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَجَابِر أَيْضا.
قلت: فقد صَحَّ الحَدِيث بشواهده وَللَّه الْحَمد، وَسمعت كثيرا من فُقَهَاء زَمَاننَا يُطلق الضعْف عَلَى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُم، وَكَأَنَّهُ اسْتَقر فِي ذهنهم تَضْعِيف التِّرْمِذِيّ لَهُ من حَدِيث أم فَرْوَة الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم، وَهُوَ عَجِيب؛ فَإِن الضَّعِيف لَا يقْدَح فِي الصَّحِيح، فَإِنَّهُ لما رَوَاهُ قَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يرْوَى إِلَّا من حَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث، واضطربوا فِي هَذَا الحَدِيث، وَقد تكلم فِيهِ يَحْيَى بن سعيد من قبل حفظه.
قلت: وَقَوله إِنَّه لَا يرْوَى إِلَّا من حَدِيث عبد الله بن عمر الْعمريّ، لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد رُوِيَ من حَدِيث أَخِيه عبيد الله أَيْضا كَمَا أسلفناه من رِوَايَة الْحَاكِم. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين فِي «الْأَحَادِيث المختارة» إِن الدَّارَقُطْنِيّ أخرجه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا، وَسُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: إِنَّه مَحْفُوظ عَنْهُمَا. وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَدِيث أم فَرْوَة أَيْضا، وَكَذَا أَبُو دَاوُد، وَأغْرب ابْن السكن فَأخْرجهُ فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة وَوَقع لأبي الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه عَن عبد الله إِلَّا قزعة بن سُوَيْد، وَقد تقدم من رِوَايَة غَيره؛ عَنهُ فاستفده.

.الحديث الثَّانِي:

رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أَمر عليًّا أَن يمسح عَلَى الجبائر».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من رِوَايَة عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ، عَن زيد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: «انْكَسَرَ إِحْدَى زندي فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرنِي أَن أَمسَح عَلَى الجبائر». وَذكره الإِمَام الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر فَقَالَ: رُوِيَ عَن عَلّي «أَنه انْكَسَرَ إِحْدَى زنديه فَأمره النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يمسح عَلَى الجبائر». فَقَالَ الشَّافِعِي: وَلَو عرفت إِسْنَاده بِالصِّحَّةِ لَقلت بِهِ وَهَذَا مِمَّا أستخير الله فِيهِ.
قلت: وَإِنَّمَا ضعفه الشَّافِعِي؛ لِأَن رَاوِيه عَمْرو بن خَالِد السالف فِي إِسْنَاده أحد الْكَذَّابين، كذبه أَحْمد وَيَحْيَى وَالنَّاس. وَقَالَ وَكِيع: كَانَ فِي جوارنا يضع الحَدِيث فَلَمَّا فُطن لَهُ تحول إِلَى وَاسِط. وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو زرْعَة: كَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يروي مَوْضُوعَات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث بَاطِل لَا أصل لَهُ، وَعَمْرو بن خَالِد مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد: هَذَا حَدِيث يرويهِ عَمْرو بن خَالِد وَلَا يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا بِعَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ.
قلت: بل تَابعه عَلَيْهِ شَرّ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: عَمْرو بن خَالِد هَذَا مَعْرُوف بِوَضْع الحَدِيث، كذبه أَحْمد وَيَحْيَى وَغَيرهمَا من أَئِمَّة الحَدِيث، وَنسبه وَكِيع إِلَى الْوَضع، وَقَالَ: كَانَ فِي جوارنا فَلَمَّا فطن لَهُ تحول إِلَى وَاسِط.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَتَابعه عَلَى ذَلِك عمر بن مُوسَى بن وجيه فَرَوَاهُ عَن زيد بن عَلّي مثله. قَالَ: وعمر بن مُوسَى مَتْرُوك مَنْسُوب إِلَى الْوَضع، ونعوذ بِاللَّه من الخذلان.
وَقَالَ فِي خلافياته: إِن عمر بن مُوسَى سَرقه فَرَوَاهُ عَن زيد بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده، وعمر مَتْرُوك. وَقَالَ فِي سنَنه: وَرُوِيَ بِإِسْنَاد آخر مَجْهُول عَن زيد بن عَلّي وَلَيْسَ بِشَيْء. وَلم يبين فِي سنَنه من هُوَ الْمَجْهُول فِي الْإِسْنَاد، وَبَينه فِي خلافياته فَقَالَ: إِنَّه عبد الله بن مُحَمَّد البلوي. قَالَ: وَهُوَ مَجْهُول رَأينَا فِي حَدِيثه الْمَنَاكِير. قَالَ فِي سنَنه وخلافياته: وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد خَالِد بن يزِيد الْمَكِّيّ بِإِسْنَاد آخر عَن زيد بن عَلّي، عَن عَلّي مُرْسلا، وَأَبُو الْوَلِيد ضَعِيف، ونقلاه عَن الدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا هُوَ فِي سنَنه.
قلت: وَهُوَ مُنْقَطع أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ «صَاحب الإِمَام» وَذكر الْخلال فِي علله عَن الْمَرْوذِيّ قَالَ: سَأَلت أَبَا عبد الله عَن حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أَنه مسح عَلَى الجبائر». فَقَالَ: بَاطِل لَيْسَ فِي هَذَا شَيْء، من حدث بِهَذَا؟ قلت: ذَكرُوهُ عَن صَاحب الزُّهْرِيّ فَتكلم فِيهِ بِكَلَام غليظ. قَالَ الْخلال: وقُرئ عَلَى عبد الله بن أَحْمد قَالَ: سَمِعت رجلا يَقُول: يَحْيَى يحفظ: عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنه مسح عَلَى الجبائر». فَقَالَ: بَاطِل، مَا حدث بِهِ معمر قطّ. فَسمِعت يَحْيَى يَقُول: عليَّ بَدَنَة مُجَللَة مقلدة إِن كَانَ معمر حدث بِهَذَا، هَذَا بَاطِل، وَلَو حدث بِهَذَا عبد الرَّزَّاق كَانَ حَلَال الدَّم، من حدث بِهَذَا عَن عبد الرَّزَّاق؟ قَالَ: مُحَمَّد بن يَحْيَى. قَالَ: لَا وَالله مَا حدث بِهِ معمر، وَعَلِيهِ حجَّة من هُنَا- يَعْنِي الْمَشْي إِلَى مَكَّة- إِن كَانَ معمر حدث بِهَذَا قطّ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يمسح عَلَى الجبائر». ثمَّ قَالَ: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَأَبُو عمَارَة مُحَمَّد بن أَحْمد- يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- ضَعِيف جدًّا.
قلت: يتلخص من هَذَا كُله ضعف حَدِيث الْمسْح عَلَى الجبائر، وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعف حَدِيث عَلّي وتضعيف رِوَايَة عَمْرو بن خَالِد، وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه فَخفف أمره وَأقر حَدِيث ابْن عمر أَولا فَقَالَ: اسْتدلَّ بهما أَصْحَابنَا وَفِيهِمَا مقَال ثمَّ ضعفهما بعد ذَلِك، وَلَقَد أحسن الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي قَوْله فِي سنَنه بعد أَن ذكر مَا أسلفناه عَنهُ: لَا يثبت عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء.
قَالَ: وَأَصَح مَا فِيهِ حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح؛ أَي: الَّذِي سأذكره عَلَى الإثر بعد. قَالَ: وَإِنَّمَا فِي الْمسْح عَلَى الْجَبِيرَة قَول الْفُقَهَاء من التَّابِعين فَمن بعدهمْ، مَعَ مَا صَحَّ عَن ابْن عمر «أَنه تَوَضَّأ وكفه معصوبة فَمسح عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِصَابَة وَغسل مَا سُوَى ذَلِك» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا عَن ابْن عمر صَحِيح. ثمَّ رَوَى الْمسْح عَلَى الجبائر وعصائب الْجِرَاحَات بأسانيده عَن أَئِمَّة التَّابِعين.
فَائِدَة: قصَّة عَلّي هَذِه كَانَت فِي وقْعَة محاربة عَمْرو بن عبد ود، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب التنقيب.

.الحديث الثَّالِث:

حَدِيث جَابر رَضي اللهُ عَنهُ فِي المشجوج الَّذِي احْتَلَمَ واغتسل فَدخل المَاء شجته وَمَات أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم ويعصب عَلَى رَأسه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْأَنْطَاكِي، ثَنَا مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن الزبير بن خُريق- بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ مثناة تَحت ثمَّ قَاف- عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: «خرجنَا فِي سفر فَأصَاب رجلا مَعنا حجر فَشَجَّهُ فِي رَأسه فَاحْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابه هَل يَجدونَ لَهُ رخصَة فِي التَّيَمُّم؟ فَقَالُوا: مَا نجد لَك رخصَة وَأَنت تقدر عَلَى المَاء. فاغتسل فَمَاتَ، فَلَمَّا قدمنَا عَلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخبر بذلك فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! أَلا سَأَلُوا إِذا لم يعلمُوا؟! فَإِنَّمَا شِفَاء العي السُّؤَال؛ إِنَّمَا يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم أَو يعصب- شكّ مُوسَى- عَلَى جرحه خرقَة ثمَّ يمسح عَلَيْهَا وَيغسل سَائِر جسده».
وَهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، الْأَنْطَاكِي ثِقَة، وَمُحَمّد بن سَلمَة هُوَ الْحَرَّانِي احْتج بِهِ مُسلم، وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة فَاضل عَالم، وَله فضل وَرِوَايَة وفتوى. وَالزبير ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَعَطَاء لَا يسْأَل عَنهُ، لَا جرم أخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة، وَاحْتج بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَأما الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: إِنَّه أصح شَيْء فِي الْبَاب وَإنَّهُ لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد: هَذِه سنة تفرد بهَا أهل مَكَّة، وَحملهَا أهل الجزيرة، لم يروه عَن عَطاء عَن جَابر غير الزبير بن خريق وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَخَالفهُ الْأَوْزَاعِيّ فَرَوَاهُ عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ الصَّوَاب.
رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَالدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا بعده من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَنه بلغه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «أصَاب رجلا جرح فِي عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ احْتَلَمَ فَأمر بالاغتسال، فاغتسل فَمَاتَ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟!». وَهَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء، وَقد وَصله ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الحميد بن أبي الْعشْرين، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء- كَمَا سلف- وَقَالَ فِي آخِره: «قَالَ عَطاء: وبلغنا أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: لَو غسل جسده وَترك رَأسه حَيْثُ أَصَابَهُ الْجراح!».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ فَقيل عَنهُ عَن عَطاء، وَقيل: بَلغنِي عَن عَطاء، وَأرْسل الْأَوْزَاعِيّ آخِره عَن عَطاء عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ الصَّوَاب.
قلت: وَهَذِه هِيَ طَريقَة ابْن مَاجَه الَّتِي أسلفناها، وَذكر أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة- فِيمَا سَأَلَهُمَا ابْن أبي حَاتِم عَن هَذَا الحَدِيث- فَقَالَا: رَوَاهُ ابْن أبي الْعشْرين، عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وأفسد الحَدِيث. يُرِيد أَنه أَدخل إِسْمَاعِيل فِيهِ، وَتبين أَن الْأَوْزَاعِيّ أَخذه عَن إِسْمَاعِيل.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيق آخر لَيْسَ فِيهَا الْأَوْزَاعِيّ رَأْسا، روياها من حَدِيث مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي، ثَنَا عمر بن حَفْص بن غياث، أَنا أبي، أَخْبرنِي الْوَلِيد بن عبيد الله بن أبي رَبَاح، أَن عَطاء عَمه حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا أجنب فِي شتاء، فَسَأَلَ فَأمر بِالْغسْلِ فَمَاتَ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: مَا لَهُم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله؟!- ثَلَاثًا- قد جعل الله الصَّعِيد- أَو التَّيَمُّم- طهُورا» قَالَ: شكّ ابْن عَبَّاس ثمَّ أَتَيْته بعدُ.
قلت: والوليد هَذَا ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَسكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ هُنَا وَضَعفه فِي بَاب النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب من سنَنه، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث السّري بن خُزَيْمَة، ثَنَا عمر بن حَفْص بن غياث، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح. قَالَ: الْوَلِيد بن عبيد الله هَذَا قَلِيل الحَدِيث جدًّا قَالَ: وَله شَاهد عَن ابْن عَبَّاس... فَذكره ورَوَاهُ بعد هَذَا الْموضع بأوراق من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ، وَصرح فِيهِ بِسَمَاع الْأَوْزَاعِيّ من عَطاء، فَزَالَ ذَلِك الْمَحْذُور السالف ورَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن أبي عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان التنوخي، ثَنَا بشر بن بكر، حَدَّثَني الْأَوْزَاعِيّ، نَا عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس يخبر «أَن رجلا أَصَابَهُ جرح عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ أَصَابَهُ احْتِلَام فاغتسل فَمَاتَ، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟!».
قَالَ الْحَاكِم: بشر بن بكر ثِقَة مَأْمُون، وَقد أَقَامَ إِسْنَاده، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ: بَلغنِي عَن عَطاء والهقل بن زِيَاد، وَهُوَ من أثبت أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ، وَلم يذكر سَماع الْأَوْزَاعِيّ من عَطاء، ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ.
فَائِدَة: لما ذكر عبد الْحق فِي أَحْكَامه حَدِيث جَابر السالف عقبه بقوله: لم يروه عَن عَطاء غير الزبير بن خريق، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ؛ فَقيل: عَنهُ عَن عَطاء، وَقيل عَنهُ: بَلغنِي عَن عَطاء. وَلَا يرْوَى الحَدِيث من وَجه قوي. هَذَا كَلَامه، وَعَلِيهِ فِيهِ اعتراضان:
أَحدهمَا: لي، وَهُوَ قَوْله إِنَّه لَا يرْوَى الحَدِيث من وَجه قوي، فقد علمت رِوَايَة الْحَاكِم الْأَخِيرَة وَأَنَّهَا جَيِّدَة لَا مطْعن فِيهَا، وَيقرب مِنْهَا رِوَايَته الْأُخْرَى قبلهَا، وَقد صححها مَعَه ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان.
الثَّانِي: لِابْنِ الْقطَّان وَوهم فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَوْله: وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، يَقْتَضِي أَن التَّيَمُّم فِي حق الْمَرِيض ورد من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا كَمَا هُوَ من رِوَايَة جَابر. قَالَ: وَذَلِكَ كُله بَاطِل؛ وَإِنَّمَا اعتراه هَذَا من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نَقله مِنْهُ، فَإِنَّهُ أجمل القَوْل كَمَا ذكر، ثمَّ فسره بإيراد الْأَحَادِيث فتخلص فَكتب أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق الْإِجْمَال وَلم يكْتب التَّفْصِيل فَوَقع فِي الْخَطَأ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس لَا ذكر فِيهِ للتيمم وَلَا يعرف ذكر التَّيَمُّم فِيهِ إِلَّا من رِوَايَة الزبير بن خريق عَن عَطاء عَن جَابر، أَو من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِإِسْنَاد بَالغ إِلَى الْغَايَة فِي الضعْف من حَدِيث عَمْرو بن شمر- وَهُوَ أحد الهالكين- عَن عَمْرو بن أنس، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: «أجنب رجل مَرِيض فِي يَوْم بَارِد عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: مَا لَهُم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله؟! إِنَّمَا كَانَ يُجزئ من ذَلِك التَّيَمُّم»، هَذَا آخر كَلَامه. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ مَعَ جلالته؛ فَذكر التَّيَمُّم فِيهِ ثَابت من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا سلف عَن صَحِيح ابْن خُزَيْمَة و«ابْن حبَان» ومُسْتَدْرك الْحَاكِم وَسبب إِنْكَاره ذَلِك اقْتِصَاره عَلَى سنَن الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نقل عبد الْحق عَنهُ، وَلَو فتش حق التفتيش لوجده فِي هَذِه المؤلفات الجليلة.